البحث بلا نقرات.. أزمة تلوح في الأفق

17 ديسمبر 2025
جهاد نورجهاد نور

ظهرت مؤخرًا ظاهرة تسمى "البحث بلا نقرات"، وذلك بسبب تفعيل ملخصات الذكاء الاصطناعي "AI Overviews"، والتي بدأت تشكل تغيّرًا جذريًا في طريقة اكتشاف المحتوى الصحفي على الإنترنت.

منذ سنوات يعمل محرك جوجل على ألا يغادر المستخدم صفحته الرئيسية، وهذا العمل تحول تدريجياً لميزات جديدة يتم إطلاقها من حين لآخر، وكان آخرها إصدار ميزة "AI Overviews"، والتي شكلت سريعاً انهياراً كبيراً في زيارات المواقع الصحفية القادمة من البحث.

هذا التغير جعل كبرى الصحف والمواقع الإلكترونية تستيقظ على زلزال الانهيار الذي أصبح يهددهم وجعلهم أمام خطر وجودي بسبب اعتماد معظم هذه المواقع على النقرات والإعلانات.

جوجل الآن يتيح للمستخدم الاطلاع على المحتوى داخل المحرك نفسه، وليس من خلال النقر وزيارة المواقع نفسها، وهو ما بدأه جوجل بخاصية "Zero-Click" وعمّقها الآن باستخدام تلخيصات الذكاء الاصطناعي المعروفة اختصاراً بـ (AIO).

في مثل هذه الظروف من الطبيعي ألا تصمد معظم المواقع الإخبارية وتحديدًا العربية التي تعتمد بشكل كبير على جذب المستخدم للنقر من خلال موضوعات SEO الأكثر انتشارًا مثل:
"موعد عرض مسلسل كذا" و"موعد مباراة كذا" وأسعار كذا".

هذا النوع من المحتوى والذي انتشر بشدة خلال السنوات الأخيرة، دفع المؤسسات لإنشاء أقسام خصيصاً لها تحت مسمى الـ "SEO"، مع التنازل عن أقسام التقارير والمتابعات والتحليلات لصالح موضوعات الـ "SEO"، التي ستجلب لتلك المؤسسات النقرات والزيارات.

هناك بعض الصحف العالمية والدولية التي بدأت في بناء أنظمة حقيقية خاصة بها، ومجتمعات خاصة، مثل:
(أنظمة العضوية – والاشتراكات – والنشرات البريدية)
بهدف التغلب على هذه الإشكالية المستقبلية المتوقعة، بل جوجل نفسه – المتهم الآن – نظم دورات تدريبية متقدمة جداً للناشرين ووسائل الإعلام تحسباً لهذه التغييرات الكبيرة.


الحلول المقترحة لمواكبة التطورات المتلاحقة

يجب على المؤسسات والمواقع أن تواكب التطور من خلال تغيير الاستراتيجيات ونماذج الأعمال، لأن ميزات مثل AI Overviews وغيرها ستتوالى، وهو ما يتطلب قيادات قادرة على إجراء تغييرات جذرية في إستراتيجية الأعمال والتحرير داخل المؤسسات التي تريد النجاة فعلاً.

معظم نماذج الأعمال الحالية، عفى عليها الزمن في رأيي، ولن تصمد طويلاً أمام التغييرات القادمة، واستراتيجيات التحرير القديمة المتبعة حالياً لن تكون قادرة على تلبية احتياجات مؤسساتها، بل ستكون عبئًا عليها، وخادماً عند محركات البحث.


القيمة المضافة

يجب أن يكون هدف كل صحيفة أو موقع إخباري بناء جمهور يريد قراءة وجهة نظره الخاصة والفريدة، وألا تكون مواقعنا مجرد ناشر لملخصات جوجل أو أخبار "SEO"، لأن كل ما سبق سيقوم به جوجل وتشات جي بي تي، وهو ما تقوم به العديد من النماذج بالفعل، وهو ما سبب الانهيار الحالي في الزيارات والإيرادات للعديد من المواقع والمؤسسات التي تمتلك إصدارات صحفية.


تغيير نماذج الأعمال أو تطويرها

  • ضرورة إجراء تغيير لنماذج الأعمال لتتواكب مع التغيّرات الحالية والمستقبلية – أي نماذج عضوية واشتراكات ونماذج هجينة ما بين الاشتراك والإعلان ونماذج إعلان مُحسنة – لمواكبة التغيرات الحالية الهائلة.

هذا التغيير في نماذج الأعمال يتطلب تغييراً في هيكلية المؤسسات، واستحداث أقسام جديدة فيها مثل:
إدارة المشاريع، وإدارة المنتجات، وإدارة الاشتراكات والعضوية، وأقسام الجمهور.

يتبع كل هذه التغييرات بالأعلى، اختيار كل صحيفة أو مؤسسة لشخصيتها التحريرية الجديدة، ورؤيتها الواضحة، وأسلوب كتابتها الفريد، إضافة لتصميمها الخاص بما يتماشى مع كل نموذج، وبما ينافس أيضاً العرض والتلخيص من تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

ينبغي على الصحف والمواقع أن تقلل تدريجياً من أخبار الـ SEO وترفع من جودة محتواها بحيث يقدم المحتوى قيمة إضافية للقارئ، ليس بمقدور أنظمة الذكاء الاصطناعي توليدها، وهو ما سيُعيد ربطها مجدداً مع القارئ الذي فقد الثقة فيها.

  • تشجيع النماذج المتخصصة للتغلب على جوجل وتطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال إنتاج محتوى متخصص قوي ينافسه.

المؤسسات التي عليها أن تقلق بجد، هي التي تعتمد كلياً على المحتوى التحريري الذي يسهل لجوجل تلخيصه في نقاط بسهولة، أما المؤسسات التي ستعتمد من الآن على المحتوى التحليلي والتقريري العميق الذي يصعب تلخيصه وتوليده ستكون في منطقة آمنة مستقبلاً.

مقالات شائعة

Share:
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram