روجر فيدلر.. صاحب "النقرة" الصحفية الأولى في التاريخ

10 ديسمبر 2025
محمود حافظمحمود حافظ

يعرف مشجعو رياضة التنس اسم "روجر فيدرر" جيدًا، ذاك اللاعب السويسري الأسطوري، بضرباته الهادئة، يرسل الضربة تلو الأخرى لخصمه دون ملل، حتى يحقق الفوز الساحق بصبر وحنكة، وإذا تركنا عالم الكرة الصفراء إلى الصحافة، وغيّرنا حرفًا واحدًا من اسم لاعب التنس، سنجد أنفسنا أمام صحفي أمريكي يُدعى روجر فيدلر، لا يقل ألمعية وعبقرية، غير أنه لم يحظ بنفس الشهرة، بل إنك لا تكاد تجد له ذكرًا فى المحتوى العربي بأكمله، رغم تأثيره العظيم في حياتنا، وقصته المُلهِمة بامتياز.

بدأ كل شيء في أوائل التسعينيات، حينما كانت الجرائد ما زالت كما هي منذ اختراع الطباعة، سطور وصور بالحبر على الورق العريض، صحيح أن بعض المؤسسات الصحفية فكّرت في بث خدماتها عبر أثير الشبكات الرقمية على نطاق محدود، لكنها محاولات خافتة لم تكلل بالنجاح والاستمرار، خاصة أن الإنترنت كان في مهده بعد، وعلى كل حال فالحواسيب بالنهاية ثقيلة الوزن، محكومة بالغرفة التي تحتويها، ماذا عن شاشة محمولة مخصصة بالكامل للصحيفة؟ هذا ما سأله روجر فيدلر لنفسه، بصفته غارقًا فى الصحافة منذ عمل في طفولته بائعًا للجرائد، ثم موظفًا فى مطبعة، ولطالما راودته طويلاً الأحلام بتقنيات شاطحة ثورية في بلاط صاحبة الجلالة.

العام 1992 كان فارقًا؛ لأن أول صحيفة إلكترونية محمولة في التاريخ كانت تستقر على مكتب روجر فيدلر، لكنها لا تعمل باللمس أو تحتاج لشحن، بل وشاشتها ثابتة لا تتغير، كأنها لوح حجري سومري؛ فقد كانت مجرد نموذج بلاستيكي "موديل"، صنعه فيدلر ليُجّسد فكرته، ولنتركه يحكي لنا عن تلك الأيام:

-  أعربتُ عن قلقي البالغ إزاء تشبث الصحف بمطابعها، وتمسك الصحفيين بالورق، كان علينا أن نتقبل أن النشر الرقمي أصبح واقعًا ملموسًا، وعلى الصحف أن تتكيف معه، أعتقد أنني كوّنتُ عددًا لا بأس به من المؤمنين بهذه الفكرة، والذين ما زالوا يتذكرون ذلك الرجل المجنون الذي عرض جهازًا لوحيًا بلاستيكيًا، واقترح عرض الصحف على الهواتف المحمولة يومًا ما

 

فى مقطع فيديو من العام 1994، سنشاهد نسخة حية من فكرة فيدلر، نموذج متكامل يعمل هذه المرة، طوّره الرجل فى مختبر الأبحاث بشركة إعلامية تُدعى "نايت رايدر"، سيذهلك الفيديو العتيق حتمًا، فرغم جودته الرديئة الجديرة بوقته، ستجد فيه تقنية مستقبلية بمعنى الكلمة، إنه جهاز التابلت نفسه الذي لم يظهر إلا بعد هذا الفيديو بـ 15 سنة تقريبًا، أسماه فيدلر وقتها بالجريدة اللوحية tablet newspaper، وكما هي العادة في مثل هذه القصص، لم يلتفت أحد من الكبار لفكرة بطلنا، وأوقفت مؤسسة "نايت رايدر" نفسها تمويل أبحاثه، لأن الصحافة الورقية كانت تبدو لهم مستقرة وصامدة حتى قيام الساعة.

الغريب أن روجر فيدلر لم يكن مهتمًا بتسجيل براءة اختراعه، بل أراد تركها حرة لشركات التقنية حتى تصنعها، الشيء الذي لامه عليه البعض لاحقًا، معتبرينه أكثر مثالية من اللازم، وتمر السنين لتتحقق الفكرة كليًا مع إطلاق "أبل" جهاز الآيباد في 2010، لكن صاحبنا لم يخسر الكثير، أكمل عمله الصحفي والأكاديمي، وأصدر عددًا من الكتب، أحدها يحمل عنوانًا دالاً للغاية، مُلخّصًا قصته: لمسة المستقبل.

اليوم، لا يمكننا حصر متصفحي الصحافة الرقمية، ربما نلجأ لتقرير الرقمنة السعودية 2025 من TRENDX، والذي قدّر عدد مستخدمي الإنترنت عبر الهواتف بـ 5.78 مليار، الكثير منهم بلا شك يطالع الأخبار بنفس الكيفية التي فكّر فيها صحفي أمريكي حالِم منذ عقود، وإن كان روجر فيدرر لاعب التنس قد صنع التاريخ في الملاعب بضرباته الخفيفة، فإن روجر فيدلر فعل نفس الشيء بنقراته على أول صحيفة رقمية، ليفعل مثله مليارات البشر لاحقًا، كما تفعل أنت الآن في الأغلب، عبر نسختك الأحدث من جريدة فيدلر اللوحية في يدك!

 

مقالات شائعة

Share:
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram