كيف يخلق البشر أفكارًا؟

سبتمبر 22, 2025
أحمد بدويأحمد بدوي

تتسلّم مهمة جديدة في العمل، الموعد النهائي يقترب، والتوتر يضغط عليك من كل جانب، تقضي الساعات تحاول التفكير، لكن لا شيء يخرج، تسلّم المهمة في النهاية غير راضيًا أو مُرهقًا، ثم بعد يومين… وأنت على السرير تستعد للنوم، تداهمك الفكرة التي كنت تبحث عنها منذ البداية.

لماذا يحدث هذا معنا جميعًا ؟

هنا يبدأ العلم في التوضيح

العقل البشري يشبه أحيانًا آلة موسيقية تحتاج إلى صمتٍ قبل أن تعزف لحنًا جديدًا، ففي لحظات الراحة والهدوء، يفتح الدماغ المجال لتوليد الأفكار، بينما يغلقه تمامًا في أوقات الضغط والتوتر.

السبب في ذلك يرتبط بهرمون يُسمّى الكورتيزول؛ وهو الهرمون المسؤول عن التوتر، عندما يرتفع مستواه في الجسم، فإنه يثقل كاهل الجزء الأمامي من الدماغ، المعروف بالفص الجبهي الأمامي، وهو المنطقة التي تمنحنا القدرة على التفكير المعقّد وصناعة القرارات، ومع تعطّل هذا الجزء، يصبح إنتاج الأفكار الجديدة شبه مستحيل، لكن ما إن يهدأ الجسم وينخفض مستوى الكورتيزول، حتى يُفتح الباب من جديد أمام الإبداع.

لكن هل يكفي أن يهدأ العقل ليصنع فكرة؟ أم أن هناك شيئًا آخر أعمق يحرك هذه العملية؟

الحقيقة أن كل فكرة جديدة يبتكرها الإنسان ليست إلا دمجًا بين عنصرين أو أكثر، البشر وحدهم يملكون هذه القدرة المعقّدة، أخذ تفاصيل متفرقة من تجارب وخبرات ومعلومات مختلفة، ثم مزجها في لحظة واحدة ليولد منها شيء جديد كليًا.

وهنا يظهر دور الثقافة والمعرفة فالعقل لا يصنع أفكاراً من الفراغ بل يحتاج إلى مخزون متنوع من المعرفة والتجارب ليستدعيه عند الحاجة، كل كتاب قرأته، كل تجربة مررت بها، كل حوار أو مشهد عابر شاهدته… كلها تتحول إلى مواد خام يخبّئها العقل، ثم يستخدمها ليصنع فكرة في الوقت المناسب.

لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعل الشيء نفسه؟

جرب أن تطلب من أحد النماذج اللغوية أن يقترح فكرة لإعلان جديد، ستجد أنه يقدّم لك عشرين نسخة متشابهة، كلها تدور في نفس الإطار، بينما إنسان واحد قد يدمج مشهدًا من فيلم قديم مع بيت شعر، ويضيف لمسة من حياته اليومية… ليخلق إعلانًا أو منتجاً جديداً مختلفًا تمامًا.

السبب؟ بسيط! الذكاء الاصطناعي يملك مخزونًا ضخمًا من المعلومات في مجالات لا حصر لها، لكنه يفتقد المرونة البشرية في الدمج بين عناصر بعيدة غير مترابطة لخدمة هدف واحد، قدرته على الربط موجودة، لكنها ما تزال محدودة جداً ، وتحتاج إلى تقنيات متقدمة جدًا ليقترب من التعقيد الذي يتميز به دماغ الإنسان.

في النهاية الإبداع ليس هدية يملكها البعض دون غيرهم، بل هو نتيجة تفاعل بين عقلٍ هادئ ومخزون غني من التجارب والمعرفة العامة والثقافة، البشر وحدهم من يستطيعون جمع خيوط متباعدة ومعقدة وتحويلها إلى فكرة جديدة، لأن دماغهم صُمّم ليخلق المعنى من الفوضى.
لذلك، حين تراودك فكرة وأنت على السرير قبل النوم، تذكّر أن هذا ليس صدفة، بل انعكاس لقدرتك الإنسانية الفريدة، فكل قراءة، كل تجربة، وكل لحظة هدوء… قد تكون الشرارة لولادة فكرة جديدة

مقالات شائعة

Share:
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram