تتسلّم مهمة جديدة في العمل، الموعد النهائي يقترب، والتوتر يضغط عليك من كل جانب، تقضي الساعات تحاول التفكير، لكن لا شيء يخرج، تسلّم المهمة في النهاية غير راضيًا أو مُرهقًا، ثم بعد يومين… وأنت على السرير تستعد للنوم، تداهمك الفكرة التي كنت تبحث عنها منذ البداية.
لماذا يحدث هذا معنا جميعًا ؟
العقل البشري يشبه أحيانًا آلة موسيقية تحتاج إلى صمتٍ قبل أن تعزف لحنًا جديدًا، ففي لحظات الراحة والهدوء، يفتح الدماغ المجال لتوليد الأفكار، بينما يغلقه تمامًا في أوقات الضغط والتوتر.
لكن هل يكفي أن يهدأ العقل ليصنع فكرة؟ أم أن هناك شيئًا آخر أعمق يحرك هذه العملية؟
الحقيقة أن كل فكرة جديدة يبتكرها الإنسان ليست إلا دمجًا بين عنصرين أو أكثر، البشر وحدهم يملكون هذه القدرة المعقّدة، أخذ تفاصيل متفرقة من تجارب وخبرات ومعلومات مختلفة، ثم مزجها في لحظة واحدة ليولد منها شيء جديد كليًا.
وهنا يظهر دور الثقافة والمعرفة فالعقل لا يصنع أفكاراً من الفراغ بل يحتاج إلى مخزون متنوع من المعرفة والتجارب ليستدعيه عند الحاجة، كل كتاب قرأته، كل تجربة مررت بها، كل حوار أو مشهد عابر شاهدته… كلها تتحول إلى مواد خام يخبّئها العقل، ثم يستخدمها ليصنع فكرة في الوقت المناسب.
جرب أن تطلب من أحد النماذج اللغوية أن يقترح فكرة لإعلان جديد، ستجد أنه يقدّم لك عشرين نسخة متشابهة، كلها تدور في نفس الإطار، بينما إنسان واحد قد يدمج مشهدًا من فيلم قديم مع بيت شعر، ويضيف لمسة من حياته اليومية… ليخلق إعلانًا أو منتجاً جديداً مختلفًا تمامًا.
السبب؟ بسيط! الذكاء الاصطناعي يملك مخزونًا ضخمًا من المعلومات في مجالات لا حصر لها، لكنه يفتقد المرونة البشرية في الدمج بين عناصر بعيدة غير مترابطة لخدمة هدف واحد، قدرته على الربط موجودة، لكنها ما تزال محدودة جداً ، وتحتاج إلى تقنيات متقدمة جدًا ليقترب من التعقيد الذي يتميز به دماغ الإنسان.