كل من عمل في كتابة المحتوى يعرف أن التحدي الأكبر ليس في ابتكار الأفكار ولا في ضغط مواعيد التسليم، بل في تلك المنطقة الضبابية بين ما يقصده العميل وما يتخيله الكاتب، هناك تحديدًا تبدأ محرقة كاتب المحتوى.
مواجهة الشاشة البيضاء
كم مرة جلست أمام شاشة بيضاء، تكتب وتعيد، تصوغ وتُحسّن، حتى تظن أنك وصلت إلى النص المثالي ثم يأتيك الرد البارد “مو هذا اللي أبغاه”، في تلك اللحظة لا يضيع النص فقط، بل تضيع معه ساعات من الجهد وربما جزء من الحماس أيضًا.
الاحتراف يبدأ قبل الكتابة
الحقيقة أن الاحتراف في الكتابة لا يبدأ مع الجملة الأولى، بل قبلها بوقت طويل، يبدأ من القدرة على الفهم الدقيق ومعرفة الهدف، والجمهور، والنبرة المطلوبة، والخطوط الحمراء، فالكاتب المحترف لا يكتفي بالاستماع، بل يطرح أسئلة تفصيلية، ويعيد صياغة ما فهمه أمام العميل: "تقصد كذا، صح؟"، هذه الخطوة الصغيرة تختصر نصف الطريق وتبني أرضية مشتركة لبدء الكتابة.
مخاطر تجاوز مرحلة الفهم
أما الكاتب الذي يتجاوز هذه المرحلة، فيدخل المحرقة بقدميه ظناً منه أن السرعة تكسبه وقتًا، بينما هي في الحقيقة تحرق جهده في إعادة العمل، وتستنزف طاقته فيما لم يُطلب منه أصلًا.
الكتابة فن إدارة الجهد
إن كتابة المحتوى ليست سباقًا مع الزمن، بل فن لإدارة الجهد والوقت، والكاتب الذي يريد أن يحمي نفسه من الاستنزاف وحرق الجهود، عليه أن يتقن الإصغاء قبل الإبداع، وأن يدرك أن وضوح الطريق في الوصول إلى الهدف من المحتوى أهم من سرعة الخطوات.
البناء بين العميل والجمهور
ولعل أهم ما يغيب عن الكثيرين أن الكتابة المهنية ليست مجرد "إرضاء العميل"، بل بناء جسر تواصل متين بين الرسالة وصاحبها من جهة، وبين الجمهور من جهة أخرى، فالكاتب الواعي يعرف أنه ليس مجرد ناقل للكلمات، بل مترجم للاحتياجات والأهداف إلى نص مؤثر وفعّال، لذلك، فكل دقيقة يقضيها في الفهم والتخطيط المسبق، تعادل ساعات من التحرير اللاحق.
المحرقة الحقيقية
فالمحرقة الحقيقية ليست في السهر الطويل ولا في ضغط التسليم، بل في أن تكتب كثيرًا.. ثم تكتشف أنك لم تكتب ما هو مطلوباً، والربح الحقيقي ليس في تسليم سريع، بل في تسليم صادق، دقيق، يعبّر تمامًا عما طُلب منك ويصنع الأثر الذي كُتب لأجله المحتوى.